الشيخ الدكتور ضاري إبراهيم العاصي
التلاوة العراقية واختلافها عن التلاوة المصرية، الكثير من الناس يسأل عن أسباب اختلاف المدرستين الاقرائيتين المصرية والعراقية، ولماذا لم تحقق المدرسة العراقية البغدادية الشهرة وانتقالها إلى العالم الإسلامي وخارجه؟
أود التوضيح والبيان بعدما جعلني الله تعالى وأكرمني بقراءة القرآن الكريم وأن أكون من أحد القرّاء العراقيين منذ بداية الثمانينيّات وعاصرت أغلبية قراء العراق وبعض قراء العالم الإسلامي، ومثلت العراق في المسابقات القرآنية الدولية ونقلت التلاوة العراقية في أغلب بلدان الدول العربية وشرق آسيا والأرجنتين وكوريا الجنوبية وكندا، وبعد تجربتي الفعلية والميدانية في محافل التلاوة، أحب أن أقول لبعض الإخوة من السائلين والمعلقين إن أسباب اختلاف مدرستنا العراقية البغدادية عن المدارس الأخرى، أن القراءة العراقية متأثرة بالمقام العراقي منذ نشأتها وولادتها عبر العصور والتأريخ.
وكانت بغداد في العصر العباسي كعبة علم وفن وحضارة خرجت وعلمت العلماء وأهل الصنعة والفن فكان المقام والغناء به له مساحة وباع كبير عند أهل العراق.
وفي الخمسينيات من القرن الماضي وقبل ظهور التلفاز والإعلام كانت المقاهي هي وسيلة الإعلام، والحفلات والغناء مقصورة على المقام العراقي، وهذا ما سمعناه من العراقيين الذين عاصروا تلك الفترة من الزمن.
وبعد ظهور ملا عثمان الموصلي وهو عملاق المقام العراقي ومؤسس المدرسة العراقية والذي ذاعت شهرته ونقل فن القراءة خارج العراق، وكان يصول ويجول بين تركيا ومصر والبلدان الأخرى، فكان له الأثر الكبير في المحافظة على روح التلاوة العراقية في ذلك الزمان.
تأثر التلاوة العراقية بالمقام العراقي
ومن خلال ذلك أقول؛ إن القراءة العراقية متأثرة بالمقام العراقي بأصوله وفروعه فهو هويتها وصورتها وتراثها، ولهذا المقام يحتاج إلى حنجرة وصوت عريض ذي مساحة كبيرة بالجواب والقرار والميانة والبحة، وهذا كله لا تجده إلا عند أهل العراق.
وكل هذا يعود إلى بيئتهم وحياتهم وظروفهم وتأريخهم.
لهذا فاللهجة والغناء والقراءة العراقية تحتاج إلى حنجرة خاصة لا يملكها إلا العراقي.
أما القراءة المصرية متأثرة بالسلم الموسيقي ولم تتأثر بطابع المقام العراقي وفروعه، وهذا كله متأثر بطابع الغناء والتلحين.
فلذلك لم تجد عند القارئ المصري في تلاوته فروع المقامات الرئيسية في السيكاه والرست والحجاز وغيرها.
ولهذا يستطيع أي واحد أن يقلد الطريقة المصرية بإجادة وإتقان. وهذا ما رأيت وسمعته من قراء ماليزيا وإندونيسيا وبلاد شرق آسيا والعرب بصورة عامة، تقليد المدرسة المصرية بإتقان كامل، فحناجرهم ملاءمة بالأداء والتقليد.
أما الأداء بالطريقة العراقية تجده صعبا وشاقا على غير أهله ولهذا لا تجد أحدا يستطيع تقليد مدرستنا بأسلوبها وطريقتها، بل تجد القارئ العراقي يستطيع تقليد كل المدارس الاقرائية والمصرية بإجادة وإبداع وفن عال.
فقد أجاد المرحوم عبد الرحمن توفيق والقارئ هشام البزاز وغيرهم من القرّاء العراقيين تقليد المدرسة المصرية.
ولكن لم نر أحدا من المصريين أو غيرهم قلد مدرستنا البغدادية! فالأداء والطريقة بينهما اختلاف كبير، ولهذا بقيت مدرستنا العراقية البغدادية بين حدودها.
وهذا لا يتوقف على القراءة فحسب بل حتى على الغناء العراقي لا تجد من المطربين غير العراقيين تقليده وإجادته.
فالسبب المباشر في الفطرة لا غير، وهذا يعود لله الخالق الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
فطبيعة وحياة أهل العراق خاصة بهم لا تجدها عند غيرهم.
تبقى الطريقة العراقية البغدادية عند أهل العراق هوية وتراثا وتاجا خالدا عبر العصور والأزمان.
ولنا الفخر والاعتزاز بالأداء والانتماء لها.
والله أكبر.
اقرا ايضا: المقامات العراقية في القرآن الكريم